حسنا، أنا أكتب عن الطبخ، إذن فلا يمكنني ذلك دون أن أكتب عن... أبلة نظيرة (نظيرة نِقولا)، أشهر كاتبة للطبخ في مصر والعالم العربي، صاحبة كتاب أبلة نظيرة كما نسميه أو كتاب أصول الطهي وهو أول وأكبر موسوعة لطبخ والوصفات في العالم العربي.
نظيرة نِقولا، ولدت بمصر عام 1902، من أشهر كتاب الطهي والتي اشتهرت بشدة من خلال كتابها "أصول الطهي" الذي اشتهر باسم "كتاب أبلة نظيرة". درست في كلية التدبير المنزلي في مصر. وفي عام 1926 قررت وزارة التربية والتعليم إرسال بعثات في جميع التخصصات لاستكمال الدراسة العلمية ومن هذه التخصصات التدبير المنزلي، فتم اختيار 14 فتاة من كلية التدبير المنزلي كانت من بينهم نظيرة نقولا للدراسة بجامعة جلوستر بانجلترا لمدة ثلاث سنوات في فنون الطهي وشغل الابرة. يقول الدكتور صادق الابن الأكبر لأبلة نظيرة: "في ذلك الوقت لم يكن من السهل على العائلات قبول فكرة السماح لبناتهم بالدراسة في الخارج ولكن ولكن تميزهن على المستوى العلمي والأدبيلم يدع فرصة للرفض".
عند عودتها من البعثة عملت أبلة نظيرة كمدرسة لمادة الثقافة النسوية (التدبير المنزلي حاليا) في مدرسة السنية للبنات، وكانت تحث تلميذاتها على حب المطبخ وتزيين المائدة بأبسط الأشياء، فكانت تعتبر الطهى فن مثل باقى الفنون، وتدرجت إلى أن أصبحت مفتشة عامة بوزارة التربية والتعليم.
ولعبت الصدفة دورها في حياة أبلة نظيرة حين أعلنت وزارة التربية والتعليم في بداية الأربعينيات من القرن الماضي عن تنظيم مسابقة على مستوى المدارس تشترك فيها مدرسات التدبير المنزلي بهدف تأليف كتاب في الطهي تعتمده الوزارة كمنهج دراسي للفتيات في فن التدبير المنزلي. وبالطبع كان قرار أبلة نظيرة بالاشتراك في المسابقة وليحصل كتابها الذي حمل عنوان «أصول الطهي» على المركز الأول - بالشراكة مع السيدة بهية عثمان والتي تخرجت في كلية بردج هوس بإنجلترا وكانت المفتشة العامة أيضاً بوزارة التربية والتعليم بمصر - ويتم توزيعه على المدارس لتقوم جميع المعلمات بتدريسه.
أبلة نظيرة لم يكن لديها أي نية تجارية عند تأليف الكتاب كما يقول ابنها الدكتور صادق، بل على العكس تماما فقد أرادت فقط أن تقدم خلاصة تجاربها وما تلقته من أسس الطهي في البعثة في هذا الكتاب بحيث يفتح الباب أمام من ترغب من الفتيات في إتقان فن الطهي الذي كانت تطلق عليه دائما «الفن» لأنها كانت تؤمن بأنه موهبة كالغناء والتمثيل. وقد انتشر الكتاب وذاع سيطه بسبب سهولة أسلوبه كما أنه كان محددا في وصفاته للمأكولات بطريقة تناسب المحترفة ومن تدخل المطبخ لأول مرة على حد سواء، لذلك انتقل من بين يدي فتيات المدرسة إلى أيدي أمهاتهن بسرعة كبيرة وبعد أن ازداد الطلب عليه تم عمل طبعات عديدة للكتاب الذي استكملت أبلة نظيرة بدورها كتابة أجزاء أخرى منه حتى وصل إلى 18 جزءاً وأصبح موسوعة شاملة لكافة أشكال الطهي.
ومن التدريس وكتابة الكتب انتقلت أبلة نظيرة إلى الإذاعة، فقد حادثتها الأستاذة صفية المهندس وطلبت منها الاشتراك في تقديم برنامج «ربات البيوت» بالإذاعة المصرية على أن تقدم كل يوم وصفة لأكلة معينة وبالفعل استجابت أبلة نظيرة وكانت وقتها على المعاش وأصبح هناك ميعاد يومي بين أبلة نظيرة وملايين من الذين ينتظرون سماع تقديمها الشهي والمرتب لمقادير الوجبات، بجانب مشاركتها الأسبوعية في مجلة حواء التي استمرت فيها لتقديم وصفات أشهى المأكولات حتى بعد توقف برنامجها.
من منا لا يذكر الفنان سمير غانم في مسرحية «المتزوجون» حينما كان يقول لزوجته في المسرحية "شيرين" جملته الشهيرة: «متأكدة ان ده كتاب نظيرة صفحة الملوخية؟ دا صفحة الوفيات يا لينا». هذه الجملة أضحكتنا جميعا وما زال البعض منا يرددها إلا أنها أحزنت أبلة نظيرة التي كانت ترى في الجملة إهداراً لحقها وسخرية منها.
الطريف هو ما ترويه شهيرة زوجة الدكتور صادق إبن أبلة نظيرة وهي تقول: «تخيلوا زوجة تطهو لابن أبلة نظيرة كيف سيتقبل طعامها؟ وتضيف ضاحكة: عند بداية زواجي لم يكن عندي أدنى فكرة عن المطبخ ولم أفكر يوما في دخوله. ولكن أبلة نظيرة التي كانت تتميز بخفة الدم والبساطة الشديدة لم تلتفت لذلك وأصرت على تعليمي كل فنون الطهي وفي شهر واحد أصبحت على دراية كاملة بكافة فنون المطبخ وهو ما أدين لها به .
في عام 1992 افتقد العالم العربي أبلة نظيرة، حيث توفيت عن عمر 90 عاماً ، وكتابها لا يزال في كل بيت عربي حتى الآن، كما أن والدتي تحتفظ بنسخة منه أيضا :) .